الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَالأَنْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالْجِرَارِ الْبِيضِ، وَالسُّودِ، وَالْحُمْرِ، وَالْخُضْرِ، وَالصُّفْرِ، وَالْمُوَشَّاةِ، وَغَيْرِ الْمَدْهُونَةِ، وَالأَسْقِيَةِ، وَكُلُّ ظَرْفٍ حَلاَلٌ، إِلاَّ إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ َدْبُوغٍ، أَوْ إنَاءً مَأْخُوذًا بِغَيْرِ حَقٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ وَاصِلٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الأَشْرِبَةِ إِلاَّ فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا الْحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرُ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ الظُّرُوفِ وَإِنَّ الظُّرُوفَ ظَرْفًا لاَ يُحِلُّ شَيْئًا، وَلاَ يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الظُّرُوفِ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ: إنَّهُ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْهَا. قَالَ: فَلاَ إذًا. فَصَحَّ أَنَّ إبَاحَةَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الظُّرُوفِ نَاسِخَةٌ لِلنَّهْيِ، وَقَدْ كَانَ عليه السلام نَهَى عَنْهَا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الأَنْتِبَاذِ وَالشُّرْبِ فِي الْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالْمَزَادَةِ الْمَجْبُوبَةِ، وَكُلِّ شَيْءٍ صُنِعَ مِنْ مَدَرٍ، وَالْجَرِّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كُلَّ شَيْءٍ صُنِعَ مِنْ مَدَرٍ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُزَادَةَ الْمَجْبُوبَةَ وَذَكَرَ الْجُرَّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْجَرِّ. وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَيْضًا مُسْنَدًا عَنْ الْجَرِّ. وَعَنْ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْجَرِّ الأَخْضَرِ وَالأَبْيَضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ عليه السلام: نَهَى عَنْ الْجَرِّ. فَهَؤُلاَءِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ، وَرَوَاهُ عَنْهُمْ أَعْدَادٌ كَثِيرَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ وَلَمْ يَأْتِ النَّسْخُ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ فَقَطْ وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتَلَفَ التَّابِعُونَ أَيْضًا. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ إذَا جَاءَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ، وَالآخَرُ نَقْلُ آحَادٍ: أَخَذْنَا بِالتَّوَاتُرِ، وَتَنَاقَضُوا هَهُنَا. وقال مالك: أَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ فَقَطْ، وَأَبَاحَ الْجَرَّ كُلَّهُ غَيْرَ الْمُزَفَّتِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا ; لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ. قال أبو محمد: وَقَدْ ذَكَرْنَا: فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَحْرُمُ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَكْلَ. وَالشُّرْبَ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ إنَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ أَنْ لاَ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَغْسِلَ بِالْمَاءِ وَيَحِلُّ ذَلِكَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَالْبُرْهَانُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْإِنَاءِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " تَحْرِيمَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْبُغَ، فَبَقِيَ كُلُّ هَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ لِصِحَّةِ الْبُرْهَانِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ مُذْ حُرِّمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ إبَاحَةَ الْخَمْرِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لقوله تعالى: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ شُرْبُهُ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلاَ إمْسَاكُهُ، وَلاَ الأَنْتِفَاعُ بِهِ، فَمَنْ خَلَّلَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَلَّ أَكْلُ ذَلِكَ الْخَلِّ، إِلاَّ أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ الشَّرَابِ الْحَلاَلِ إذَا أَسْكَرَ وَصَارَ خَمْرًا فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ بِغَلَبَةٍ أَوْ بِسَرِقَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ، إِلاَّ أَنْ يَسْبِقَ الَّذِي خَلَّلَهُ إلَى تَمَلُّكِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَهُ، كَمَا لَوْ سَبَقَ إلَيْهِ غَيْرِهِ، وَلاَ فَرْقَ ; لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نَا عَبْدُ الأَعْلَى أَبُو هَمَّامٍ نَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ فَمَا لَبِثْنَا إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْ، وَلاَ يَبِعْ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، قَالَ مَالِكٌ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ زَيْدٌ، وَيَحْيَى، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا قَالَ: لاَ، فَسَارَّ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ مَا يُنْبَذُ لَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِأَنْ يُشْرَبَ أَوْ يُهْرَقَ وَهُوَ عليه السلام قَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ مَا حَرَّمَ مَالاً لَمَا أَضَاعَهُ عليه السلام، فَإِذْ لَيْسَ مَالاً فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، فَإِذْ سَقَطَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَى أَنْ صَارَ خَلًّا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ مِلْكُهُ عَلَى مَا لاَ مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ كَسَائِرِ مَا لاَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وقال أبو حنيفة: مِلْكُهَا جَائِزٌ وَتَخْلِيلُهَا جَائِزٌ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال مالك: إنْ تَعَمَّدَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ ذَلِكَ الْخَلِّ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ دُونَ أَنْ تُخَلَّلَ حَلَّ أَكْلُهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لاَ تُؤْكَلُ تَخَلَّلْت أَوَخُلِّلَتْ. وَقَوْلُنَا فِي مِلْكِهَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ التَّمِيمِيِّ عَنْ أُمِّ خِدَاشٍ أَنَّهَا رَأَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَصْطَبِغُ بِخَلِّ خَمْرٍ. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ فِي خَلِّ الْخَمْرِ فَسَأَلاَ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُسَرْبَلٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خَلِّ الْخَمْرِ فَقَالَتْ: لاَ بَأْسَ بِهِ هُوَ إدَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِأَكْلِ مَا كَانَ خَمْرًا فَصَارَ خَلًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِخَلِّ الْخَمْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلاَ نَعْلَمُ مِثْلَ تَفْرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَلاَ يَحِلُّ كَسْرُ أَوَانِي الْخَمْرِ، وَمَنْ كَسَرَهَا مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، لَكِنْ تُهْرَقُ وَتُغْسَلُ الْفَخَّارُ، وَالْجُلُودُ، وَالْعِيدَانُ، وَالْحَجَرُ، وَالدُّبَّاءُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وقال مالك: يُكْسَرُ الْفَخَّارُ وَالْعُودُ وَيُشَقُّ الْجِلْدُ وَيُغْسَلُ مَا عَدَا ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ الآنَ مِنْ فَتْحِ الَّذِي أَهْدَى رَاوِيَةَ الْخَمْرِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا فَتَحَ الْمُزَادَةَ وَأَهْرَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِخَرْقِهَا، وَنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْكَسْرُ وَالْخَرْقُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمُتْلِفُ مَالِ غَيْرِهِ مُعْتَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَرَ كُوزًا فِيهِ شَرَابٌ وَشَقَّ الْمَشَاعِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهِيَ الزِّقَاقُ. وَهَذَا مُرْسَلٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُقَاقَ الْخَمْرِ. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عليه السلام شَقَّ زُقَاقَ الْخَمْرِ. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام أَرَاقَ الْخَمْرَ وَكَسَرَ جِرَارَهَا. وَكُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ: أَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَحَدُ طُرُقِهِ فِيهَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ الْخَوْلاَنِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ أَبِي طُعْمَةَ وَهُوَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ وَهُوَ لاَ شَيْءَ. وَالثَّالِثُ: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ طَلْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ عُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا آخَرُ لَمْ يُسَمِّ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ مُطَّرَحٌ فَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخَنَازِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَعَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ أَبَاحَ الأَكْلَ فِيهَا وَالشُّرْبَ، وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام. وَفُرِضَ عَلَى مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ لَيْلاً أَنْ يُوكِيَ قِرْبَتَهُ، وَيُخَمِّرَ آنِيَتَهُ وَلَوْ بِعُودٍ يَعْرِضُهُ عَلَيْهَا، وَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَنْ يُطْفِئَ السِّرَاجَ، وَيُخْرِجَ النَّارَ مِنْ بَيْتِهِ جُمْلَةً إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا لِبَرْدٍ أَوْ لِمَرَضٍ، أَوْ لِتَرْبِيَةِ طِفْلٍ، فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ لاَ يُطْفِئَ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَفِيهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَلاَ يَحِلُّ الشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَا عِكْرِمَةُ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوْ السِّقَاءِ. وَرُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَرِبَ مِنْ فَمِ قِرْبَةٍ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ; لأََنَّ أَحَدَهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَقَدْ تُرِكَ وَفِيهِ الْبَرَاءُ ابْنُ بِنْتِ أَنَسٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَخَبَرٌ آخَرُ: مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، وَلاَ أَعْرِفُهُ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافَقَةً لِمَعْهُودِ الأَصْلِ، وَالنُّهَى بِلاَ شَكٍّ إذَا وَرَدَ نَاسِخٌ لِتِلْكَ الْإِبَاحَةِ بِلاَ شَكٍّ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَعُودَ الْمَنْسُوخُ نَاسِخًا، وَلاَ يَأْتِي بِذَلِكَ بَيَانٌ جَلِيٌّ، إذَنْ كَانَ يَكُونُ الدِّينُ غَيْرَ مُبَيَّنٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ عليه السلام مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ. فإن قيل: قَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ فَمِ إدَاوَةٍ. قلنا: نَعَمْ، هَذَا حَسَنٌ ; لأََنَّهُ الْإِدَاوَةُ وَلَيْسَتْ قِرْبَةً، وَلاَ سِقَاءً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ الشُّرْبُ قَائِمًا، وَأَمَّا الأَكْلُ قَائِمًا فَمُبَاحٌ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ هَدَّابٌ: نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَقَالَ قُتَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ هَمَّامٌ، وَهِشَامٌ، وَسَعِيدٌ، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا وَلَفْظُ هَدَّابٍ زَجَرَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ لأَبْنِ عُمَرَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ. فإن قيل: قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ قَائِمًا. قلنا: نَعَمْ، وَالأَصْلُ إبَاحَةُ الشُّرْبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ قِيَامٍ، وَقُعُودٍ، وَاتِّكَاءٍ، وَاضْطِجَاعٍ، فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا كَانَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمُحَالٌ مَقْطُوعٌ أَنْ يَعُودَ الْمَنْسُوخُ نَاسِخًا، ثُمَّ لاَ يُبَيِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، إذَا كُنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَجِبُ عَلَيْنَا مِمَّا لاَ يَجِبُ، وَكَانَ يَكُونُ الدِّينُ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا عَلَى أُصُولِ الْمُخَالِفِينَ أَنْ لاَ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظُّنُونِ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَسْخِ الْإِبَاحَةِ السَّالِفَةِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الأَكْلِ نَهْيٌ إِلاَّ عَنْ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَلاَ يَحِلُّ النَّفْخُ فِي الشُّرْبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبِينَ الشَّارِبُ الْإِنَاءَ عَنْ فَمِهِ ثَلاَثًا لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا. فإن قيل: قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا: هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَقَدْ تُرِكَ وَحَتَّى لَوْ شَكَّ هِشَامٌ فِي إسْنَادِهِ فَلَمْ يَشُكَّ أَيُّوبُ، وَلاَ مَعْمَرٌ، وَكِلاَهُمَا فَوْقَ هِشَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ قَالاَ: نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ نَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثًا قال أبو محمد: التَّنَفُّسُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ النَّفْخُ فِيهِ كَمَا بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ وَالتَّنَفُّسُ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ أَنْ يَتَنَفَّسَ بِإِبَانَتِهِ عَنْ فِيهِ، إذْ لَمْ نَجِدْ مَعْنًى يُحْمَلُ عَلَيْهِ سِوَاهُ. وَالْكَرْعُ مُبَاحٌ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَ بِفَمِهِ مِنْ النَّهْرِ، أَوْ الْعَيْنِ، أَوْ السَّاقِيَةِ ; إذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:، أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الأَنْصَارِ وَهُوَ فِي حَائِطِهِ: إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَكْرَعُوا، وَلَكِنْ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ فَاشْرَبُوا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنَاءٍ أَطْيَبَ مِنْ الْيَدِ. قال أبو محمد: فُلَيْحِ، وَلَيْثٌ مُتَقَارِبَانِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ نَهْيٌ، وَلاَ أَمْرٌ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُبَاحٌ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام الثَّابِتِ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ فَلاَ وَاجِبَ أَنْ يُؤْتِيَ إِلاَّ مَا أُمِرَ بِهِ عليه السلام، وَلاَ وَاجِبَ أَنْ يَتْرُكَ إِلاَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ عليه السلام وَمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ وَاجِبَ، وَلاَ مُحَرَّمَ فَهُوَ مُبَاحٌ. وَالشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ مُبَاحٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا نَهْيٌ، إنَّمَا رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا وَقُرَّةُ هَذَا، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلَ وَهُوَ سَاقِطٌ وَلَيْسَ هُوَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ الَّذِي يَرْوِي، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، ذَلِكَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُشْرَبَ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ أُذُنِهِ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا هَؤُلاَءِ. وَمَنْ شَرِبَ فَلْيُنَاوِلْ الأَيْمَنَ مِنْهُ فَالأَيْمَنَ، وَلاَ بُدَّ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلاَ يَجُوزُ مُنَاوَلَةُ غَيْرِ الأَيْمَنِ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَيْمَنِ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُنَاوِلَ أَحَدًا فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ: فَلْيُنَاوِلْ الأَكْبَرَ َالأَكْبَرَ، وَلاَ بُدَّ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ دَارَهُمْ، قَالَ: فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ وَشُيِّبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ عليه السلام: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ. وبه إلى مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمِ بْنِ أَبِي طُوَالَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ الأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ عليه السلام: الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ الأَشْيَاخَ فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا مُنَاوَلَةُ الأَكْبَرِ فَالأَكْبَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةَ كَبِّرْ الْكُبْرَ فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ نَصٌّ صَحِيحٌ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا فِي مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ نَا أَبُو النَّضْرِ هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ فَهَذَا الشَّرَابُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَمْ يُنَاوِلْ أَحَدًا وَقَدْ أَكَلَ عليه السلام بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُرْسِ أَبِي أُسَيْدَ وَفِيهِ أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي أُسَيْدَ سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيذًا تَخُصُّهُ بِهِ. وَسَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا.
|